12/11/2023 - 19:05

تحليل إخباري | تخوف من وقف الحرب دون تحقيق أهدافها

يبدو أن تشديد الحصار والخناق على المستشفيات الفلسطينية وخاصة مجمع الشفاء الطبي، بعد أن صنعت منه إسرائيل مركزا لقيادة حماس، وبما يشكله من رمز معنوي فلسطيني، قد يكون إسقاطه هو صورة النصر التي تبحث عنها إسرائيل قبل وقف إطلاق النار

تحليل إخباري | تخوف من وقف الحرب دون تحقيق أهدافها

قوات إسرائيلية على طول السياج الأمني الفاصر شرقي قطاع غزة المحاصر (Getty Images)

في تصريح يحمل أكثر من إشارة إلى مأزق الجيش الإسرائيلي، قال الجنرال احتياط، غيورا آيلاند، "لقد هزمناهم في شمال القطاع لكن يجب أن نعلم أن حماس ما زالت قوية وتحاربنا، وهي ما زالت قوية في الوسط والجنوب، والشتاء قادم لصالحها وليس لصالحنا". والحقيقة أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، وصاحب مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، الجنرال آيلاند، عبر عن مأزق الجيش الإسرائيلي الذي لم ينجح حتى في شمال قطاع غزة، الذي ما زالت المعارك مع المقاومة الفلسطينية تدور في رحاه، عن تحقيق أي انتصار يستطيع أن يفاخر به رغم مرور 37 يوما على الحرب، في حين ما زال بعيدا عن الهدف الذي وضعته له القيادة السياسية، والمتمثل بتفكيك البنية العسكرية والسلطوية لحركة حماس.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في تلغرام

تصريح الجنرال آيلاند لا يحتاج إلى الكثير من التفسير، وهو وإن حاول في شقه الأول نسب انتصار غير موجود لجيشه، فإنه يعترف بأن حماس ما زالت قوية وتقاتل في الشمال والوسط والجنوب، وأن الجيش الإسرائيلي تنتظره أسابيع وأشهر طويلة من الحرب، من شأنه أن يواجه فيها عدو إضافي، هو الشتاء، الذي سيعيق حركة دباباته ومجنزراته التي "ستغرز" في وحل غزة الرملي الذي أخرجه منه رابين وشارون وحاول كل من جاء بعدهما تجنب العودة إليه.

من هنا فإن عامل الوقت أصبح حاسما، وهو ما يشير إليه أيضا المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، وذلك في ظل ازدياد التحفظ الغربي من القتل الواسع للمدنيين من قبل الجيش الإسرائيلي في العملية البرية، والضغط الأميركي لتقليص المناورة في شمالي القطاع خلال أسابيع.

ويقول هرئيل إن الجيش الإسرائيلي الذي تحرك حتى الآن ببطء نسبي بهدف الحفاظ على أمن قواته، سيضطر الآن في وقت تعمل فيه وحداته العسكرية في قلب غزة وحول المقرات المركزية لحماس، الوصول إلى غالبية المنجزات العسكرية قبل أن يُطلَب منه وقف الحرب، ولذلك فإن الاعتقاد السائد في قيادة أركان الجيش، كما يقول، أنه إذا ما انتهت الحرب خلال أسبوعين، فلا يمكن تحقيق أهداف الحرب.

ويزداد هذا التخوف في ظل تعاظم موجة المظاهرات العالمية العارمة المناهضة للحرب الإسرائيلية، التي تحولت إلى حرب إبادة جماعية وتهجير شامل لم يشهدها العالم منذ بداية القرن، وهي تترافق مع تصريحات إسرائيلية علنية تدعو لسحق ومحو وإبادة غزة عن بكرة أبيها، وصلت ذروتها بـتصريح وزير ما يسمى بـ"التراث الإسرائيلي"، بضرب غزة بقنبلة نووية.

في هذا السياق، يجدر التوقف أيضا عند تصريح رئيس "الشاباك" الأسبق وعضو المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية، آفي ديختر، الذي قال إن إسرائيل تعيد إنتاج النكبة في غزة، وإن ما يجري ليست حربا لأنه لا يمكن إدارة حرب في وقت يكون فيه المدنيون بين الدبابات والجنود، بل هي نكبة غزة 2023، كما قال. وعندما سُئِل إذا ما سيتم السماح لأهالي غزة الذين هجروا بالعودة إليها، قال إنه لا يعرف النهاية، ولكن مدينة غزة التي يشكل أهلها نصف سكان القطاع وتجثم على ثلث مساحته، وذلك في إشارة واضحة إلى دفع جزء منهم جنوبا، وهو ما كشفت عنه المخططات الإسرائيلية بتحويل المناطق المتاخمة للشريط الحدودي إلى مناطق غير مأهولة.

في غضون ذلك تلتقي موجة الاحتجاجات العالمية التي بدأت تأتي أُكلها بتصريح ماكرون الذي طالب إسرائيل بالتوقف عن قتل الأطفال والنساء، وتصريح بليكين عن الأعداد الفائضة عن الحد للقتلى في غزة، تلتقي مع تنامي الاحتجاجات الإسرائيلية المطالبة بتحرير الأسرى (الرهائن الإسرائيليين) لدى فصائل المقاومة، والتي توجت أمس السبت بمظاهرة ضخمة في تل أبيب، على ضوء ازدياد الخشية من أن التعارض بين هدفي الحرب، الذي برز منذ اليوم الأول، سيُحسم على حساب خسارة الرهائن الإسرائيليين.

نازحون في مجمع الشفاء، الثلاثاء الماضي (Getty Images)

الاصطدام بين هذين الهدفين سيحدث قريبا، كما يقول هرئيل، حيث ستحتار القيادة السياسية أي طريق تسلك، بينما يخشى الجيش أن يوقفوه لصالح صفقة تبادل يكون من الصعب عليه بعدها تجديد الهجمات بالحجم المطلوب لضرب حماس بقوة كافية. وهو ما يتوقع أن تحدثه الصفقة التي تقودها الوساطة القطرية، والتي تتحدث عن إطلاق سراح 100 رهينة من مزدوجي الجنسية والنساء والمدنيين الإسرائيليين.

ويبدو أن تشديد الحصار والخناق على المستشفيات الفلسطينية وخاصة مجمع الشفاء الطبي، بعد أن صنعت منه رواية إسرائيل الكاذبة مركزا لقيادة حماس، وبما يشكله بقطع النظر من رمز معنوي فلسطيني، قد يكون إسقاطه هو صورة النصر التي تبحث عنها إسرائيل قبل وقف إطلاق النار، خاصة وأنه لا أحدد يضمن ألا يتحول وقف إطلاق النار المؤقت إلى وقف دائم لإطلاق النار، ربما تنزل بواسطته إسرائيل عن الشجرة العالية التي تسلقتها بالتهديد بالقضاء على حماس.

التعليقات